منتدى الشــامل للمعلومات العامة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الفارابي باحثاً اجتماعياً

اذهب الى الأسفل

الفارابي باحثاً اجتماعياً Empty الفارابي باحثاً اجتماعياً

مُساهمة من طرف وليدالحسني الخميس 22 نوفمبر 2007 - 23:20

مدخل :

الفارابي هو : أبو نصر محمد بن محمد بن طرخان ، وهو يلقب بالمعلم الثاني ، أي بعد أرسطو ، باعتبار أن أرسطو أطلق عليه المعلم الأول .

والفارابي تركي الأصل ، تثقف في بغداد العباسية ، وعاش الشطر الثاني من حياته في بلاط سيف الدولة الحمداني ، شمالي مدينة حلب السورية ، وكانت وفاته عام 339 هـ = 950 م ، بعد أن خلف لنا تراثاً كبيراً من المؤلفات النافعة المفيدة .

كان الفارابي فيلسوفاً ، ميتافيزيقي الروح مثالي النزعات ، ميالاً إلى التوفيق بين المذاهب ، وهو الذي أدخل مذهب (الصدور) في الفلسفة الإسلامية .

وفلسفة الفارابي نجدها تبتدئ في الأعم الأغلب من مجردات الذهن ، خصوصاً عندما يتكلم عن مفهوم الوجود ، كما نجدها تسير على منهج استنباطي ، منطقي ، وهذه هي طريقته في إثبات وجود الله سبحانه وتعالى .

لقد كانت حياته الفكرية خصبة جداً ، ألف كتباً كثيرة ، ضاع أكثرها ، على أنه اشتهر بين العرب بشروحه على فلسفة أرسطو ، ولكن همة الفارابي لم تقف عند الشروح فقط لا غير ، بل ألف طائفة صالحة من الرسائل أوضح فيها فلسفته الخاصة ، مثل : (فصوص الحكم) ، و (إحصاء العلوم) ، و (الجمع بين رأيي الحكيمين أفلاطون وأرسطو) ، (السياسات المدنية) ، (أراء أهل المدينة الفاضلة) ، (تحصيل السعادة) وغيرها ...

كان الفارابي يميل إلى التأمل والنظر ، ويفضل العزلة والهدوء ، بدأ شبابه متفلسفاً ، وقضى كهولته متفننأً ، وختم حياته متصوفاً ، وذكروا أنه كان لا يتواجد غالباً إلا في مجتمع ماء ، أو مشتبك رياض ، ويؤلف كتبه هناك .



آراء أهل المدينة الفاضلة :

يعتبر كتاب (آراء أهل المدينة الفاضلة) للفارابي من أكثر كتبه التي نالت الحظ الكبير من البحث والدراسة ، وقد نشره المستشرق / فريدريخ ديتريش في مدينة ليدن الهولندية ، سنة 1895 م ، ثم نشره الأستاذ / ألبير نصري نادر ، في تحقيق جيد ، مع مقدمة مفيدة ، وكان صدوره في بيروت ، سنة 1959 م ، في 162 صفحة ، ثم أعيد طبعه أكثر من مرة ، كان آخرها ـ حسب معلوماتي ـ في بيروت عن دار المشرق ، سنة 1972 م .

ويمثل هذا الكتاب كثيراً من جوانب فلسفة الفارابي النظرية / المثالية ، من حيث ما ينبغي أن يكون عليه المجتمع الكامل من الناحية الفكرية ، أي من ناحية جملة الآراء التي يجب أن يعلمها ويتعلمها أعضاء المجتمع الفاضل .

ومن الناحية العملية ، أي ناحية شروط الحياة الفاضلة الكاملة ، وعليه ينقسم كتاب الفارابي إلى قسمين :

القسم الأول : القسم الفلسفي : وهو عبارة عن جملة نظرة الفارابي للوجود ، ويشمل الكلام في الموجود الأول ، وهو الله عز وجل ، وفي وحدانيته ، وفي صفاته ، وفي كيفية صدور الموجودات عنه ، وذلك بحسب مراتبها ، وفي أجسام العالم ، وفي النفس الإنسانية ، وقواها ، ونظريته في الوحي ، هذا مع بيان موقف الإنسان بين مراتب الموجودات .

القسم الثاني : القسم السياسي : وهو يتضمن نظرية الفارابي في المجتمع ، ورياسته ، وصفات العضو الرئيس فيه ، وتصوره للمجتمعات غير الكاملة وصفاتها .

وهنا نجد نظريات طريفة شبيهة إلى حد كبير بالنظريات الحديثة فيما يتعلق بطبيعة تكوين المجتمع ، وبنشأة المجتمعات ، مثل : نظرية العقد الاجتماعي ، وفلسفة القوة ، ونشأة الأخلاق ، وأهمية ودور الدين والتدين .

وبالطبع هذه الجوانب تهم بشكل أو بآخر الباحث الاجتماعي الذي يريد أن يدرس فكر الفارابي من الزاوية الاجتماعية ، ونحب أن نقول هنا : إن الفارابي سبق الكثيرين من المفكرين الغربيين في الموضوعات والجوانب والنظريات التي ذهب إليها ، وقام ببحثها ، ولعل هذا أيضاً مما استلفت نظر الباحثين الأوربيين ، ويستحق أكثر من دراسة علمية جديدة تبرز دور الفارابي ، وتعطيه حقه ومكانته ، كرائد اجتماعي سبق عصره .

نعود لنقول : إن كتاب (آراء أهل المدينة الفاضلة) يشبه كتاب (السياسات المدنية) للفارابي أيضاً ، من حيث الموضوع والتقسيم .



من أجل مجتمع فاضل :

نؤكد هنا على أن الفارابي واحد من المفكرين المسلمين الذين برعوا في دراسة الموضوعات السياسية والاجتماعية والفلسفية ، بأسلوب يختط في بحثه المنهج العلمي إلى حد كبير ، ولعل ذلك نراه جلياً في كتابه : (السياسات المدنية) ، وكذلك كتابه : (آراء أهل المدينة الفاضلة) .

والكتاب الأخير من أشهر مؤلفات الفارابي في الفلسفة والاجتماع ، وكان على غرار كتاب : (جمهورية أفلاطون) الذي ظهر في اليونان ، عندما كانت الحضارة اليونانية في أوج عظمتها وعزتها .

وهدف الفارابي من تأليف كتاب (أهل المدينة الفاضلة) وهو تكوين مجتمع فاضل ، وجمهورية مثالية ، شبيهة بجمهورية أفلاطون .

وكتاب (أهل المدينة الفاضلة) يعتمد على أفكاره الفلسفية ، كما اعتمد أفلاطون على تعاليمه الفلسفية عند كتابته لكتابه (الجمهورية) .

لقد اعتمد أبو نصر الفارابي في القسم الأول من كتابه على مبادئ الدين الإسلامي ، فتكلم عن أجزاء النفس الإنسانية ، أو أجزاء الروح ووظائفها ، كما تناول قضايا تتعلق بالإرادة والاختيار ، وهو الجزء أو القسم الفلسفي الذي اهتم فيه بالأسس الفلسفية التي تستند عليها المدينة الفاضلة ، والذي استهله بالكلام عن صفات المولى عز وجل ، وأهميته في خلق الموجودات والكائنات .

أما القسم الثاني فقد أوضح فيه المبادئ أو الأسس التي تقوم عليها المدينة الفاضلة ، وواضح أن الرجل قد تأثر بآراء أفلاطون وأرسطو .

ولكن الذي يهمنا في هذه السطور هو : أن أهم المسائل الاجتماعية والسياسية التي عالجها الفارابي في كتابه هي مسألة : تحليل حقيقة الاجتماع الإنساني ، أي : كيفية نشوء ، وظهور المجتمع ، وتقسيم المجتمعات البشرية ، وأسس المدينة الفاضلة ، وصفات قائدها .. إلى آخره .



حقيقة الاجتماع الإنساني :

لقد بدأ الفارابي أبحاثه الاجتماعية بتحليل حقيقة الاجتماع الإنساني ، والدوافع الأساسية في قيامه ، ولا ريب في أنه رجع في هذا الصدد إلى أرسطو ، عندما قال بأن الإنسان حيوان اجتماعي بطبعه ، أي أنه : يحتاج إلى أشياء كثيرة لا يستطيع أن يحصل عليها ، أو يحصلها بمفرده ، فهو لا بد له من التعاون مع الآخرين من أعضاء جنسه البشري ، من أجل أن يبلغ الكمال .

والكمال الذي يقصده الفارابي هو السعادة ، والسعادة لا يتم للإنسان تحقيقها في نفسه إلا عن طريق التعاون المادي ، ومعه ـ وهذا هو الأهم ـ التعاون الروحي أو الفكري ، فالسعادة تتصل بتحقيق الأشياء المادية والروحية في آن واحد .

ورغبة الإنسان في تحقيق السعادة لا يمكن أن تتم إلا إذا استطاع تكوين هيئة أو سلطة سياسية منظمة تتولى القيام بوظائف عديدة للأفراد (نيابة عن الأفراد) ، ومثل هذه الوظائف ينبغي أن تجلب السعادة للمجتمع ، وتحقق أماني وطموحات الأفراد .

والسعادة عندما تنتشر في المجتمع ، وانتشارها يعتمد على مبادئ العدالة والمساواة ، فإن المدينة الفاضلة التي تكلم عنها الفارابي سوف تظهر للعيان .

هذا ، وقد ذكر الفارابي وهو يشرح بإسهاب ، طبيعة المدينة الفاضلة ، ذكر أنها المدينة التي يتعاون أفرادها واحدهم مع الآخر ، بغرض نيل السعادة ، ويتخصص كل واحد منهم في أداء عمل معين .



وظائف المدينة :

وأهم وظائف المدينة وأكبرها خطراً وظيفة الرئاسة ، ذلك أن الرئيس هو منبع السلطة العليا ، والمثل الأعلى الذي تتحقق في شخصيته جميع معاني الكمال ، وهو مصدر حياة المدينة ، ودعامة نظامها .

ومنزلة الرئيس (حاكم المدينة) بالنسبة للأفراد كمنزلة القلب بالنسبة لسائر أنحاء الجسم . وعليه فإنه لا يصلح للرياسة ـ حسب اعتقاد الفارابي ـ إلا من زود بصفات وراثية ، ومكتسبة ، يتمثل فيها أقصى ما يمكن أن يصل إليه الكمال في الجسم والعقل والعلم والخلق والدين .

ويشير إلى أن رئيس المدينة الفاضلة يجب أن يتصف بالمزايا التالية : ـ

1 ـ أن يكون الرئيس تام الأعضاء ، وسليم الحواس .

2 ـ أن يكون جيد الفهم .

3 ـ أن يكون جيد التصور لكل ما يقال أمامه .

4 ـ أن يكون ذكياً .

5 ـ أن يكون حسن العبارة ، وقوي اللسان .

6 ـ أن يكون محباً للعلم وللعلماء .

7 ـ أن يكون محباً للعدل ، كارهاً للظلم .

8 ـ أن يكون كبير النفس ، محباً للكرامة .

9 ـ يجب أن لا يهتم بجمع المال .

10 ـ أن يكون قوي العزيمة على الشيء الذي يرى أنه ينبغي أن يفعل .

11 ـ أن يكون جسوراً ، مقداماً غير خائف .

12 ـ ألا يكون ضعيف النفس .

13 ـ أن يكون حكيماً ، وعالماً ، وحافظاً للشرائع ، والسنن ، والسير .



عندما تكون المدينة غير فاضلة !! :

كان هذا ما يتعلق بصفات وطبائع المدينة الفاضلة ، وماهية الصفات التي ينبغي أن تتوافر عند قائدها أو حاكمها ، أما المدينة غير الفاضلة فتكون على أشكال مختلفة ، كما ذهب أبو نصر الفارابي في آراء أهل المدينة الفاضلة ، وهذه الأشكال أو الأنواع أو الأنماط هي كالأتي : ـ

أ ـ المدينة الجاهلة : وهي المدينة التي ينغمس أفرادها في الترف ، وفي الملذات البدنية ، وأهلها يقتصرون على الضروري من المأكول ، والمشروب ، والملبوس ، والمسكون ، ولا يفكرون إلا في التعاون على نيل ذلك .

ب ـ المدينة الضالة : وهي المدينة التي يضل أهلها بالدين ، ويذهبون بصدد تفسير العقائد ، والطقوس تفسيراً ضالاً فاسداً ، غير مستقيم ، ويكون رئيس المدينة ضالاً ، ويظن أنه يوحى إليه ، فيخادع ، ويموه بأقواله وأفعاله .

ج ـ المدينة الفاسقة : وهي التي يعرف أهلها آراء واتجاهات المدينة الفاضلة ، ولكنهم يعملون ضدها ، كما أنها المدينة التي أصابها زيغ وانحراف ، حيث يعلم أهلها ما يعمله أهل المدينة الفاضلة من أسباب السعادة ، ويعتقدون ذلك كله ، ولكن أفعالهم تكون مثل أفعال أهل المدينة الجاهلة ، فهم يقولون بما يقول به أهل المدينة الفاضلة من غير أن يعملوا به .

د ـ مدينة الإباحية : وهي المدينة التي ليس فيها ضوابط اجتماعية وأخلاقية ، تستطيع السيطرة على سلوك أفرادها ، من أجل حياة أفضل لهم .



دعوة :

وختاماً لهذه السطور المتواضعة التي ألقينا فيها بعض الأضواء على إسهامات الفارابي في الفكر الاجتماعي ، ندعو الكتاب والباحثين إلى ضرورة الرجوع إلى التراث الاجتماعي العربي الذي يجسد أفكار الرواد الأوائل ، والاعتماد عليه في تفسير حقيقة الواقع الاجتماعي ، بعد الأخذ بعين الاعتبار المستجدات والتغيرات التي طرأت على علم الاجتماع في ضوء المساهمات الحديثة لعلماء الاجتماع في زماننا الراهن .

كما ينبغي أن يكون التراث الاجتماعي العربي هو الإطار المرجعي الأساسي للملامح الحديثة التي يتسم بها علم الاجتماع العربي .

إن علم الاجتماع العربي يجب أن نحدد خصوصياته وهويته القومية والحضارية التي تميزه عن علم الاجتماع البرجوازي ، أو علم الاجتماع الماركسي ، أو علم الاجتماع الغربي ، وغيره من مدارس علم الاجتماع ، وهذا هو دور كل المثقفين دون استثناء …

* باحث ومحاضر في الدراسات الإسلامية والعربية ، وخبير في الدفاع الاجتماعي

الأسانيد والمراجع
(1) أبو نصر الفارابي ، آراء أهل المدينة الفاضلة ، دار المشرق ، بيروت ، 1972 م .

(2) أبو نصر الفارابي ، تحصيل السعادة ، دار الأندلس بيروت ، 1981 م .

(3) محمد شفيق شيا ، الحاكم الفيلسوف عند أفلاطون والفارابي ، سلسلة ( دراسات عربية ) ، العدد 7 ، مايو ، 1985 م .

(4) دنيكن ميشيل ، معجم علم الاجتماع ، ترجمة : إحسان محمد الحسن ، دار الطليعة ، بيروت ، 1981 م .

(5) مصطفى الخشاب ، علم الاجتماع ومدارسة ، مكتبة الأنجلو المصرية ، القاهرة ، 1975 م .

(6) إحسان محمد الحسن ، الأوليات التاريخية لاهتمامات العرب بعلم الاجتماع ، مجلة المورد ، العدد 3 ، وزارة الإعلام والثقافة العراقية ، 1986 م

وليدالحسني
مدير عام
مدير عام

عدد الرسائل : 396
العمر : 37
الموقع : www.alhasny.mam9.com
العمل/الترفيه : المسابقات
المزاج : رائق
تاريخ التسجيل : 28/08/2007

https://alhasny.mam9.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى