أحد أهم أسباب الفساد الاداري و المالي
صفحة 1 من اصل 1
أحد أهم أسباب الفساد الاداري و المالي
( نيه سمارويه نيه يادو) (الميدهن مياكل )
أد. ماهر موسى العبيدي
لا أشك ان قارئي العزيز قد يستغرق من عنوان خاطرتي هذه مع أني قد وضعت معناه بين قوسين كذلك وذكرت انه احد اهم اسباب الفساد الاداري والمالي ليس في العراق فحسب بل في جميع اقطار العالم كما ثبتته النشرات
المتخصصة في الرقابة والتدقيق والادارة والقانون وغيرها. أما من أين اتيت بهذا العنوان وبأية لغة كانت فأود ان اذكر ان هذا المصطلح هو باللغة البولونية وهو مثل متعارف عليه لدى البولون عرفناه عندما كنا طلاباً للعلم في بولندا خلال السبعينيات من القرن الماضي عندما كانت بولندا شعبية واشتراكية ضمن اقطار المعسكر الاشتراكي ومقر حلف وارشو.
يعلم جميع زملائي كم نحن نحترم جامعاتنا ومؤسساتنا التعليمية وقدرات تدريسييها التي لاتقل عن قدرة تدريسيي ارقى الجامعات الغربية ان لم تتفوق عليها ولكن يعلم جميع زملائنا ايضاً كم نحن نؤيد ونؤكد ضرورة البعثات العلمية خارج البلاد وضرورة استمرارها على الدوام لاهمية رفد مؤسساتنا بالمتخصصين في الدراسات التي لايتوفر في بلدنا مثلها فضلاً عن الاطلاع والافادة من احدث النظريات والاساليب العلمية القائمة في تلك الجامعات، كما ولهذه البعثات العلمية مزايا جمة اخرى منها الاطلاع على ثقافات وعلوم وفنون تلك المجتمعات واخلاقها ومن المؤكد ان العائدين يحملون معهم افضل تلك الاخلاق والعادات الجيدة وينشرونها في مجتمعاتنا ولكن في الوقت نفسه ان من مزايا هذه البعوث والاقامة والاختلاط مع تلك المجتمعات ان تعرف سلبيات مايسود في تلك المجتمعات ورأيهم فيها، فالنظام الاشتراكي بحسب افكار الاحزاب الشيوعية او العالمية التي كانت حاكمة لاقطارها على الرغم من كل ما حققته لشعوبها من تقدم اقتصادي واجتماعي كانت ترافقه دائماً وبسبب التخطيط المركزي لكل صغيرة وكبيرة وبسبب الشمولية في الحكم وقيادة الحزب القائد او الحاكم، افرز هذا النظام البيروقراطية البطيئة في العمل والتنفيذ والتباطؤ في الادارة وعدم تحديثها وتطوير قدرتها في اداء الاعمال وكفايتها، وقلة في عرض السلع لا يتناسب مع الطلب الفعال الذي اوجده النظام الاشتراكي وسياسة التشغيل الكامل او لابطاله في المجتمع على الرغم من ضعف الاجور، افرزت هذه الظواهر او الاسباب شيوع ظاهرة الرشوة وتفشيها في مؤسسات الدولة واداراتها طول مدة اربعين عاماً ساد فيها النظام الاشتراكي وحكم الحزب الشيوعي، وكم كان يمتعظ ويتذمر ابناء الشعب البولوني من هذه الظاهرة وغالباً ما كانوا يسخرون من الرشوة في مؤسسات الدولة وادارتها بأن الاعمال فيها لاتسير الا بالرشوة بمختلف صورها او كانوا يلمحون الى ضرورتها بالمثل الدارج لديهم (نيه سمارويه نيه يادو) (الميدهن ماياكل)
اراني اسهبت في توضيح ذلك المثل الساخر الشائع في بولونيا كما سمعته ورأيته بعيني ولكن مقدمتي هذه ذكرتها لاوضح لقارئي العزيز، اني عند مغادرتي العراق في بداية السبعينيات لم يكن للرشوة في بلادنا اي وجود، وهي ان وجدت فكانت ظاهرة محدودة ومنبوذة لايمارسها ولايقبل بها الا ضعاف النفوس في مؤسساتنا الحكومية ولكننا بعد عودتنا الى البلاد وجدناها شائعة ومقبولة في العديد من مؤسسات الدولة او بدت متعارفاً عليها وليست معيبة بل محرمة كما كانت ايام زمان، هذا في بدايات الثمانينيات وكان العراق مايزال في مقدمة الدول الغنية بثرواتها النفطية الوافرة في موجوداتها النقدية، لكن الحرب ها قد بدأت وباشرت في اكل الاخضر واليابس وتحول ابناء الشعب العراقي شيباً وشباناً وقوداً لها وهكذا احرقت المليارات من الاموال وازهقت الملايين من الارواح، فشحت الاموال وبدأنا بالتقشف والاقتصاد بعد ان كان الهدر والتبذير هو الشعار، فتحولت الامور من رشاوى وحصص على اكبر الصفقات حتى بدأت الرشاوى تقبل بأبخس الاثمان، ومن حرب الى حرب ومن تقشف الى حصار دام سنوات ومن ايرادات او موازنة لاتعرف كيف تصرف او تدار وبدأت ظاهرة الرشوى تعم وتزداد وتصبح عرفاً وثقافة وليس فساداً، وفي ظل رقابة ادارية ومالية ضعيفة غير كفوءة ولايؤخذ لها اي حساب اصبحت الرشوة تعم البلاد، واصبحت ادلتها لاتحتاج الى اثبات، وشاع عرف او مثله بين المتعاملين بها من عاملين في الدولة او متعاملين بها( مشيلي ومشيلك) او (طلع لي وطلع لك)او غيرها من المصطلحات التي لاتختلف عن المثل البولوني (نيه سمارويه نيه يادو) وان تنوعت واختلفت اشكال الرشوة عن ذلك النظام وبعد ان تنفسنا الصعداء بعد انهياره مازالت الرشوة والاتفاقات والتواطؤ والانتفاع بين العاملين والمتعاملين في اجهزة الدولة قائماً على قدم وساق لاتتمكن من كبح جماح اية رقابة كانت او نوع تفتيش، ومايزال مبدأ(مشيلي ومشيلك) مطلقاً له العنان، وبعد ان غاب المثل البولوني ( نيه سمارويه نيه يادو) عن الاذهان مايزال مبدأ( الميدهن ماياكل) في مؤسساتنا سيد الامثال( كما اعتقد) وعن هذه الحال لدى البولون مثل اخر لو ترجمته لك عزيزي القارئ لانقلبت على قفاك من الضحك الذي هو أمرّ من البكاء.
صفحة للطباعة
أرسل هذا الخبر لصديق
· البحث في اخبار الاقتصادية
· البحث في اخبار جميع الصفحات
أكثر خبر قراءة في الاقتصادية:
ارتفاع الدينار العراقي في السوق السعودي
أد. ماهر موسى العبيدي
لا أشك ان قارئي العزيز قد يستغرق من عنوان خاطرتي هذه مع أني قد وضعت معناه بين قوسين كذلك وذكرت انه احد اهم اسباب الفساد الاداري والمالي ليس في العراق فحسب بل في جميع اقطار العالم كما ثبتته النشرات
المتخصصة في الرقابة والتدقيق والادارة والقانون وغيرها. أما من أين اتيت بهذا العنوان وبأية لغة كانت فأود ان اذكر ان هذا المصطلح هو باللغة البولونية وهو مثل متعارف عليه لدى البولون عرفناه عندما كنا طلاباً للعلم في بولندا خلال السبعينيات من القرن الماضي عندما كانت بولندا شعبية واشتراكية ضمن اقطار المعسكر الاشتراكي ومقر حلف وارشو.
يعلم جميع زملائي كم نحن نحترم جامعاتنا ومؤسساتنا التعليمية وقدرات تدريسييها التي لاتقل عن قدرة تدريسيي ارقى الجامعات الغربية ان لم تتفوق عليها ولكن يعلم جميع زملائنا ايضاً كم نحن نؤيد ونؤكد ضرورة البعثات العلمية خارج البلاد وضرورة استمرارها على الدوام لاهمية رفد مؤسساتنا بالمتخصصين في الدراسات التي لايتوفر في بلدنا مثلها فضلاً عن الاطلاع والافادة من احدث النظريات والاساليب العلمية القائمة في تلك الجامعات، كما ولهذه البعثات العلمية مزايا جمة اخرى منها الاطلاع على ثقافات وعلوم وفنون تلك المجتمعات واخلاقها ومن المؤكد ان العائدين يحملون معهم افضل تلك الاخلاق والعادات الجيدة وينشرونها في مجتمعاتنا ولكن في الوقت نفسه ان من مزايا هذه البعوث والاقامة والاختلاط مع تلك المجتمعات ان تعرف سلبيات مايسود في تلك المجتمعات ورأيهم فيها، فالنظام الاشتراكي بحسب افكار الاحزاب الشيوعية او العالمية التي كانت حاكمة لاقطارها على الرغم من كل ما حققته لشعوبها من تقدم اقتصادي واجتماعي كانت ترافقه دائماً وبسبب التخطيط المركزي لكل صغيرة وكبيرة وبسبب الشمولية في الحكم وقيادة الحزب القائد او الحاكم، افرز هذا النظام البيروقراطية البطيئة في العمل والتنفيذ والتباطؤ في الادارة وعدم تحديثها وتطوير قدرتها في اداء الاعمال وكفايتها، وقلة في عرض السلع لا يتناسب مع الطلب الفعال الذي اوجده النظام الاشتراكي وسياسة التشغيل الكامل او لابطاله في المجتمع على الرغم من ضعف الاجور، افرزت هذه الظواهر او الاسباب شيوع ظاهرة الرشوة وتفشيها في مؤسسات الدولة واداراتها طول مدة اربعين عاماً ساد فيها النظام الاشتراكي وحكم الحزب الشيوعي، وكم كان يمتعظ ويتذمر ابناء الشعب البولوني من هذه الظاهرة وغالباً ما كانوا يسخرون من الرشوة في مؤسسات الدولة وادارتها بأن الاعمال فيها لاتسير الا بالرشوة بمختلف صورها او كانوا يلمحون الى ضرورتها بالمثل الدارج لديهم (نيه سمارويه نيه يادو) (الميدهن ماياكل)
اراني اسهبت في توضيح ذلك المثل الساخر الشائع في بولونيا كما سمعته ورأيته بعيني ولكن مقدمتي هذه ذكرتها لاوضح لقارئي العزيز، اني عند مغادرتي العراق في بداية السبعينيات لم يكن للرشوة في بلادنا اي وجود، وهي ان وجدت فكانت ظاهرة محدودة ومنبوذة لايمارسها ولايقبل بها الا ضعاف النفوس في مؤسساتنا الحكومية ولكننا بعد عودتنا الى البلاد وجدناها شائعة ومقبولة في العديد من مؤسسات الدولة او بدت متعارفاً عليها وليست معيبة بل محرمة كما كانت ايام زمان، هذا في بدايات الثمانينيات وكان العراق مايزال في مقدمة الدول الغنية بثرواتها النفطية الوافرة في موجوداتها النقدية، لكن الحرب ها قد بدأت وباشرت في اكل الاخضر واليابس وتحول ابناء الشعب العراقي شيباً وشباناً وقوداً لها وهكذا احرقت المليارات من الاموال وازهقت الملايين من الارواح، فشحت الاموال وبدأنا بالتقشف والاقتصاد بعد ان كان الهدر والتبذير هو الشعار، فتحولت الامور من رشاوى وحصص على اكبر الصفقات حتى بدأت الرشاوى تقبل بأبخس الاثمان، ومن حرب الى حرب ومن تقشف الى حصار دام سنوات ومن ايرادات او موازنة لاتعرف كيف تصرف او تدار وبدأت ظاهرة الرشوى تعم وتزداد وتصبح عرفاً وثقافة وليس فساداً، وفي ظل رقابة ادارية ومالية ضعيفة غير كفوءة ولايؤخذ لها اي حساب اصبحت الرشوة تعم البلاد، واصبحت ادلتها لاتحتاج الى اثبات، وشاع عرف او مثله بين المتعاملين بها من عاملين في الدولة او متعاملين بها( مشيلي ومشيلك) او (طلع لي وطلع لك)او غيرها من المصطلحات التي لاتختلف عن المثل البولوني (نيه سمارويه نيه يادو) وان تنوعت واختلفت اشكال الرشوة عن ذلك النظام وبعد ان تنفسنا الصعداء بعد انهياره مازالت الرشوة والاتفاقات والتواطؤ والانتفاع بين العاملين والمتعاملين في اجهزة الدولة قائماً على قدم وساق لاتتمكن من كبح جماح اية رقابة كانت او نوع تفتيش، ومايزال مبدأ(مشيلي ومشيلك) مطلقاً له العنان، وبعد ان غاب المثل البولوني ( نيه سمارويه نيه يادو) عن الاذهان مايزال مبدأ( الميدهن ماياكل) في مؤسساتنا سيد الامثال( كما اعتقد) وعن هذه الحال لدى البولون مثل اخر لو ترجمته لك عزيزي القارئ لانقلبت على قفاك من الضحك الذي هو أمرّ من البكاء.
صفحة للطباعة
أرسل هذا الخبر لصديق
· البحث في اخبار الاقتصادية
· البحث في اخبار جميع الصفحات
أكثر خبر قراءة في الاقتصادية:
ارتفاع الدينار العراقي في السوق السعودي
مواضيع مماثلة
» أسباب وعوامل الفساد في اليمن:
» الفساد مفهومه.. أسباب تفشيه.. أشكاله والآثار المترتبة عليه
» كيف نحارب الفساد
» بعض اسباب الفساد الاقتصادي
» الفساد الاقتصادي وآثاره المدمرة
» الفساد مفهومه.. أسباب تفشيه.. أشكاله والآثار المترتبة عليه
» كيف نحارب الفساد
» بعض اسباب الفساد الاقتصادي
» الفساد الاقتصادي وآثاره المدمرة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى